وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ
--------------------------------------------------------------------------------
أختي الحبيبة .. تقسو القلوب وتغفُل النفوس وتنسى العقول ذلك الموقف الرهيب الذي يكون يوم القيامة في خضم هذه الحياة وما فيها من ملهيات
ولاسبيل إلى قلوبنا .. تلك القلوب القاسية إلا بأن نتفكر ونتأمل في في كلام الله تعالى فلا خير منه لمثل قلوبنا , فهو والله يُحيي به الله القلوب الميتة ويشفي به القلوب المريضة التي ركنت واطمأنت لتلك الدار الفانية
والمؤمن كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم" خُلق مفتناً تواباً نسياً إذا ذُكر ذَكر "
أختي الحبيبة ..
يقول ربي عز وجل في وصف حال الظالمين يوم القيامة :
"وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ" الزُمر(47).
آية عظيمة ،تهز القلوب القاسية وتوقظ النفوس الغافلة ،آية تستحق التأمل ..وتدعو إلى التفكر ..فهل من متعظ ؟
يقول الله تبارك وتعالى "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ" القمر (17)
فهيا نتأملها ونبحث في معناها وما جاء فيه ...
جاء في تفسير الألوسي (بتصرف) :
{ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا فِى الارض جَمِيعاً } أي لو أن لهم جميع ما في الدنيا من الأموال والذخائر { وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ مِن سُوء العذاب يَوْمَ القيامة } أي لجعلوا كل ذلك فدية لأنفسهم من العذاب السيء الشديد ، والمراد التمثيل لحالهم بحال من يحاول التخلص والفداء مما هو فيه بما ذكر فلا يتقبل منه ، وحاصله أن العذاب لازم لهم لا يخلصون منه ولو فرض هذا المحال ففيه من الوعيد والإقناط ما لا يخفى .
وقوله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ مّنَ الله مَا لَمْ يَكُونُواْ يَحْتَسِبُونَ } أي ظهر لهم من فنون العقوبات ما لم يكن في حسابهم وما لم يتوقعوه أنه بهذه القسوة والشدة، زيادة مبالغة في الوعيد ، ونظير ذلك في الوعد قوله تعالى : { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } [ السجدة : 71 ]
وجاء في نفسير السعدي (بتصرف):
{ وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } .
لما ذكر تعالى أنه الحاكم بين عباده، وذكر مقالة المشركين وشناعتها، كأن النفوس تشوقت إلى ما يفعل اللّه بهم يوم القيامة، فأخبر أن لهم { سُوءَ الْعَذَابِ } أي: أشده وأفظعه، كما قالوا أشد الكفر وأشنعه، وأنهم على - الفرض والتقدير - لو كان لهم ما في الأرض جميعا، من ذهبها وفضتها ولؤلؤها وحيواناتها وأشجارها وزروعها وجميع أوانيها وأثاثها ومثله معه (رغم شدة حبهم لهذا وحرصهم الشديد عليه في الدنيا)، ثم بذلوه يوم القيامة ليفتدوا به من العذاب وينجوا منه ،وذلك لأنه هان عليهم وقتها ولم يعد ذا قيمة بعد ما رأوا من عذاب ورغم ذلك ما قبل منهم، ولا أغنى عنهم من عذاب اللّه شيئا، { يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }
{ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } أي: ما يظنون من السخط العظيم، والمقت الكبير، وقد كانوا يحكمون لأنفسهم بغير ذلك في الدنيا وذلك لجهلهم وضلالهم وظنهم أنهم على الحق .
وذُكر أن محمد بن المنكر أنه كان يصلي من الليل فمرت به هذه الآية فبكى وأخذ يكررها وقالت له أمه ما يُبكيك فلم يستطع جواباً فأخذوه إلى أبي حازم فسأله عن سبب بكائه فلما أخبره بكى معه فقالوا له :جئنا بك لتخفف عنه فإذا بك تزيده ..
وروي عن علي بن الفضيل بن عياض وكان معروفاً برقة قلبه حتى أن أباه الفضيل بن عياض كان لا يقرأ بآيات العذاب والوعيد إذا كان يصلي ولده خلفه
وفي فجر يوم كان الفضيل بن عياض يصلي بالناس وجاء علي ابنه ودخل في الصلاة ووالده لا يعلم وتلا قول الله تعالى "وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ" فبكى ولده بكاءً شديداً حتى مات رحمه الله ..
لله درهم ما أشد تدبرهم وتأثرهم بالقرآن
لا إله إلا الله ...
كرري أختي الآية وتأمليها تستشعري عظمتها وقوتها ..بل تخيلي الموقف الرهيب .. تُرى ماذا سيبدو لنا من أحوالنا يوم القيامة وما الذي تُقبل من تلك الأعمال القليلة التي نعُدها أعمالاً صالحة وما الذي جعله الله هباءً منثورا..
ياالله ! هل من الممكن أن نعمل أعمالاً نظنها صالحة وننسى ما كان منَّا من المعاصي التي نراها صغيرة ثم نأتي يوم القيامة لنتلقى المفاجئة ولنعلم أنها لم تكن هينة وأن منها ما أحبط العمل ومنها ومنها ..!! ثُم يتبدى لنا وقتها من الله ما لم نكن قد حسبنا له حساباً أو أعددنا له جواباَ !!
نسأل الله السلامة ..