الجزء الثاني
كتابة القرآن في عهد النبوة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بكتابة القرآن ، وقد كتب القرآن كله على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحف والألواح ، والعسب ، والرقاع واللخاف والأكتاف ، والأضلاع ، والأقتاب ، فالقرآن الكريم تكفل الله بحفظه بطريقتين :
1ـ حفظه في الصدور .
2ـ حفظه في السطور .
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابة رضوان الله عليهم ليكتبوا ما نزل من القرآن فور نزوله وهؤلاء سُمّوا بــ " كتاب الوحي " منهم " أبو بكر الصديق وعمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وخالد بن الوليد وأبي بن كعب وزيد بن ثابت " وغيرهم ، فكانوا يكتبون القرآن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن انتهى نزول القرآن ، فكان مُفرقاً ولم يكن مجموعا في موضع واحد .
جمع القرآن على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه :
قام أبو بكر إثر مقتل كثير من حُفّاظ القرآن في حروب الردة بجمع القرآن موافقة لما أشار به عليه عمر ، وانتدب زيد بن ثابت لمهمة كتابته وجمعه في مكان واحد ؛ وذلك لمداومته على كتابة الوحي وشهوده العرضة الأخيرة للقرآن في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لكونه عاقلا وعا كامل الدين والعدالة مأمونا غير متهم في دينه ولا خُلُقِهِ قال زيد : " فوالله لو كلّفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أُمرت به من جمع القرآن " .وقد راعى زيد في كتابة هذه الصحف أن تكون مشتملة على ماثبت قرآنيته متواترا واستقر في العرضة الأخيرة ولم تنسخ تلاوته وأن تكون مجردة عما إذا كانت رواية آحاد وعما ليس بقرآن من شرح أو تأويل أو حديث قدسي وأن تكون مرتبة السور والآيات وظلت هذه الصحف التي جمع فيها القرآن في رعاية أبي بكر مدة خلافته ثم في رعاية عمر مدة خلافته ثم عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما إلى أن طلبها عثمان رضي الله عنه .
تدوين القرآن في عهد عثمان رضي الله عنهأما تدوينه في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه فإنه في سنة خمس وعشرين من الهجرة رأى حذيفة بن اليمان ـ وكان في أرمينية وأذربيجان يغزو مع من غزاها من المسلمين ـ كثرة اختلاف المسلمين في وجوه القراءة ففزع إلى عثمان أي من شدة ماهاله اختلافهم في وجوه القراءة وكل يدعي ان قراءته هي الأصح والله اعلم
فقال لعثمان رضي الله عنه : أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى .
طبعا جمع عثمان اعلام الصحابة وذوي الرأي واخذ رأيهم على نسخ مصاحف يرسل كل مصحف منها إلى كل مصر من الأمصار ليكون مرجعا للناس عند الاختلاف وعلى إحراق ماعداها ، وانتدب للقيام بهذه المهمة أربعة من أجلاء الصحابة وثقات الحفاظ وهم :
من المدينة : زيد بن ثابت ، ومن قريش :عبدالله بن الزبير ، وسعيد بن العاص ، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام .
طبعا الصحف اذ ذاك كانت عند أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها
فأرسل اليها ، فأرسلت إليهم الصحف فأخذوا في نسخها وكانوا لايكتبون شيئا إلا بعد أن يعرض على الصحابة المودين في المدينة جميعا ويتحققوا من أنه قرآن وأنه لم تنسخ تلاوته واستقر في العرضة الأخيرة .
أي انه لابد من شهادة الحفاظ انهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فكتبو مصاحف متعددة وأرسلوا نسخة إلى كل مصر من الأمصار وأمروا بإحراق ما سواه من قرآن في كل صحيفة أو مصحف .
المصحف الإمام والمصاحف العثمانية :
المصحف الإمام ـ أي القدوة هو المصحف الذي أمر بكتابة نسخ منه عثمان بن عفان رضي الله عنه ووزعها على الأمصار وأصح الأقوال في عددها وأولاها بالقبول أنها ستة : " البصري ، والكوفي ، والشامي ، والمكي ، والمدني العام ، والمدني الخاص " أو مصحف الإمام
ولعل إطلاق هذا الاسم عليه يرجع لكونه نسخ أولا ومنه نسخت المصاحف العثمانية الأخرى وزيدَ على الستة في قول : " اليمني " و" البحريني " ليكونوا ثمانية في بعض الأقوال .
يتبع في الدرس القادم